هل سبق أن قابلت شخصا غير مدرك لتصرفاته؟ تصرفاته غير المنطقية والطائشة والتي لا تهمد أبدًا، تلك التي لا مبرر لها إلا أن صاحبها فاقدًا لوعيه جرّاء شرابه للكحول أو استنشاقه الحشيش بأنواعه الثقيلة. لكن أن يكون هذا الشخص مجرّدا من هذا التبرير، فالفكرة بالطبع مثيرة للاهتمام، ورحلة حياتية طائشة بالتأكيد وأنت تتعرف على شخصها ستكتشف العديد من التقلبات الغريبة والمعقّدة في دورها النفسي والذهني. طاقة هائلة متسارعة متحوفة بالمخاطر يملؤها الركض ولا سواه من مكان لآخر.
هذه تجربتي الأولى مع سينما الأخوة سافيدي، الشقيقان اللذان عُرفا بتجاربهما الأفلام القصيرة والوثائقية والقليل من الطويل، تجربة أولى موفقة على صعيد رأيي وتفاعلي، وفيلما من النوع الذي يشدّك طوال فترته دون أن تفهم المغزى، هذا هو المثير، أن تنتظر المغزى من الحكاية وعند الانتهاء منها تجد عكس ما كنت تنتظره، الفكرة بحق مثيرة.
قصّة الفيلم تدور حول شقيقين اثنين يختلفان في كل شيء، الشقيق الأول الذي يؤدي دوره الممثل ‘روبرت باتينسون’ (كوني) وهو بطل الفيلم سارق بنوك مصرفية صغيرة يعاني من طاقة زائدة وطيشان، دائما ما تجده متورطا، كما ولو أنه غير واعي، يحاول افتتاحية الفيلم أن يُخرج أخيه الذي يؤدي دوره المخرج والكاتب أيضًا ‘بيني سافيدي’ (نيك) من إحدى المستشفيات النفسية، نيك يعاني من اضطراب عقلي دائما ما تحاول المستشفيات الاعتناء به، لكننا نلاحظ اهتمام أخيه (كوني) فنعتقد بداية الفيلم أمرا يخالف ما نكتشفه لاحقًا.
هناك مشهد يفسّر (الحالة الذهنية) لشخصية ‘كوني’، وبشكل أعم يفسّر حالة الفيلم أيضًا. ‘كوني’ طوال الأحداث وهو في حالة غير مستقرة ذهنيًا، يركض من هنا إلى هناك، مشكلة وراء مشكلة، لا يفكر إلا بالحل المتواجد أمامه (الفرصة الوحيدة حتى وإن كانت خاطئة) وهذا ما جعل من الفيلم (دائرة لا منتهية من الورطات)، بعدًا أكبر حتى من جزئية النص التي ركزت بشكلٍ ما على علاقته بأخيه. المشهد هو عدما تعرض عليه الفتاة المراهقة -تلك التي قابلها في إحدى مجريات الفيلم- جُرعة من الحشيش، ليردها ‘كوني’ بجملة غاية في التفسيرية: “لن يؤثر فيّ، أنا حصين على ذلك.” الحشيش لن يؤثر به لأن ما تفعله طاقة ‘كوني’ الذهنية والجنونية تفوق الطاقة التي يُحدثها الحشيش. فيلم So High، سرقني في رحلة لا نهاية للمشاكل فيها. تجربة جديدة كليًا أبدع بها الأخوة سافيدي من وجهة نظري، العيب في بعض الأحيان نلحظه في (ارتفاع علو صوت الموسيقى في بعض المشاهد).. لكنه بطريقة ما تفهمه لأن الفيلم يريد التعبير عن حالته الذهنية والتي هي عبارة عن صوت صاخب ومشوش وحماسي (مع حبّي الشديد لموسيقى الفيلم).
أداء روبرت باتينسون رائع جدًا.. هذا هو المختصر حول الجانب التمثيلي بالفيلم. تجربة ممتعة وفيلم في وجهة نظري يستحق أن يكون ضمن أعمال موسم 2017 الجيّدة، ليس على مستوى الاكتشاف وأداء باتينسون أو الفكرة بالمجمل، بل كونه عملا متقنا في جوانب كثيرة، فريدا في طريقة تصويره وخاصّا في حالته الذهنية. فيلم مجنون و “مهلوس”.
Leave a Reply