The Shape of Water – حكاية حب خيالية تشكلت تحت الماء!

 

هذا فيلمٌ يحتفي مجددًا بسينما الـ Fairy Tale التي فقدنا مع الوقت مشاعرنا إتجاهها، لكنه في ذات الوقت فيلمًا لا يعبّر عن مجرّد قصة غريبة غير واقعية فحسب، بل عن واقعة عاطفية إتجاه الماء وشكله، عن الكائن البشري الناقص والوحش الذي لازال الصديق المقرب للمخرج ‘ديل تورو’، عن العديد من الصراعات الانسانية والاجتماعية وأيضًا السياسية في خلفية يتلاقى فيها الخيال مع الواقع، ممثلًا كلّ هذا بحرفية فنية وصورة بصرية بليغة. ‘ديل تورو’ أعد هذا الفيلم بمشاعره وبخصوصية شديدة لذا يعتبره العمل المفضّل لديه، الوحوش التي طالما تصوّرها وكانت ضمن شخصيات أفلامه الرئيسية، حكايته هنا شخصية حتى وإن بدت بعض تفاصيلها دخيلة، لكنه يوقن ذلك فيعامل جميع ركائن فيلمه بحساسية شديدة للغاية.

 

 

تبدأ صور الفيلم بمشاهد لمنزل يطفو تحت الماء وراوي يرغب في أن يقص علينا حكاية أميرة لا صوت لها ووحش كاد أن يخرب كلّ شيء.. لتبدأ أحداث الفيلم بعرض مشاهد روتينية لشابة يتضح بعد ذلك أنها بكماء تعد البيض لنفسها، تمارس الاستمناء في حوض الاستحمام، تراجع التاريخ واقتباس أو فكرة كلّ يوم، وتقطن في منزل صغير الحجم يقع فوق دار عرض سينمائية، تعد لنفسها كذلك شطيرة ولجارها وصديقها، وغيرها من التفاصيل العابرة يغطيها عزفًا لموسيقى تصويرية رائعة، لنعرف بعد ذلك أن ‘إليسا’ عاملة نظافة بأحد المختبرات الحكومية السرية في بالتيمور فترة الستينات، إلى حين أن نكتشف رفقتها تواجد كائن ‘برمائي’ -الوحش- بعد ما تم العثور عليه في نهر الأمازون، فتنشأ تدريجيًا بينهما علاقة صداقة لتتطور مع الأحداث حتى يصبح مصير هذا الكائن مرهونًا بعطف وحبّ واهتمام ‘إليسا’ له، فتتحول أجواء الفيلم الاستكشافية إلى مواجهة مصيرية بينها وبين قائد المختبر.

نص ‘ديل تورو’ لا يتمتع بأحداث مفاجئة أو مسار أحداث مبتكر، لكنه يتميز بأسلوب إخراجي غاية في الروعة لا يفتقد للأجواء العاطفية حتى تشعر من خلاله بحميمية العلاقة (الغريبة) بين إليسا والوحش، هنا يجب عليّ ذكر نقطة استعرضها ‘ديل تورو’ من خلال مشهد الاستمناء الأول (الروتيني) الذي يجعل من عادة “الحدوتة” وأساليب الfairy tale تبلغ التصور العذري سواء في العلاقات العاطفية التي تربط بين الشخصيات الرئيسية أو حتى بين الشخصية وممارستها لما له تصورًا جنسيًا، كذلك (شكل الماء) وموضوعه بالفيلم الذي وجدته قد همش تقريبًا من كافة مشاهدي العمل سواء محبيه أو المعترضين عليه، ‘ديل تورو’ أبدع في تشكيل (الحدث) بالكامل والماء جزء رئيسيا فيه، هذا يتضح حتى ببراعة التصوير السينمائي هنا، والألوان (خاصةً اللون الأخضر) الذي شكّل معظم أجزاء صورة الفيلم وهو اللون الذي يكسوا كلّ ما جف الماء منه، دلالةً على الفكرة الأولى تلك التي قرأتها ‘إليسا’: “الوقت مجرّد نهر يتدفق من خلال ماضينا.” كل شيء يدل على الماء، هذا تعظيم وبُعد فني لأول مرة أعايشه.

 

 

‘ديل تورو’ عُرف كما ذكرت بأعمال سابقة صور فيها الوحوش خاصةً وشكّل من خلالها عوالم خيالية صُنف من بينها عمل Pan’s Labyrinth كأحد الأعمال السينمائية (الفريدة) المهمة والبارزة في الألفية، هنا في The Shape of Water يعود مجددًا لأسلوبه الذي أصبح مقترنا به لكن بخصوصية أكبر، ديل تورو من خلال لقاءاته أو لحظات خطابه مثلًا بحفل الأوسكار عندما استلم جائزة الإخراج، تلاحظ بأنه مليء بالعاطفة، لا يزال محتفظا بالخيال الطفولي إن صحّ التعبير متمكنًا من مزجه مع حكايا تأتي بمفاهيم متضادة مثل الحب والخسارة، الظلام والنور، الحاضر والماضي، الخيال والواقع، هذا جميعه كان لا يصبح شيئا إذا كانت تفتقد أعماله لتقنيات مميزة، اهتمام واضح بتصميم الإنتاج، بالأزياء المقترنة بزمان ومكان الحدث، بالتصوير السينمائي ودلالات ألوانه، لُغته ليست فقط من نسج الخيال، لُغته السينمائية فنية بكثافة ومبدعة مصحوبة بعزف موسيقي باهر.

ما هو دخيل على عمل ونص ‘ديل تورو’ بوضوح (وأعتبره دخيلا كونه مباشرًا وإن جاء كخلفية للأحداث) هو التعامل مع القضايا الاجتماعية والسياسية التي تزامنت مع تاريخ (واقعة الحكاية) فترة الستينات، كالحرب بين أمريكا وروسيا، قضايا التمييز ضد السود، كذلك مشهدًا فيه مقاربة لواقعة إنتصار (النسوية) أو خطاب النساء الشهيرات الاعترافي ضد تسلط الجانب الذكوري سواء المهني أو الاجتماعي، أتحدث عن مشهد ‘مايكل شانون’ وخطابه بالحمام في حضور ‘إليسا’ و ‘زيلدا’. أيضًا شخصيات العمل هنا لم تكن بذاك العمق وهذا ما أعتبره طبيعيًا قد يقلل من قيمة النص لكنه لا يفند حالة الفيلم العامة (الشعورية بالذات). في الوقت ذاته يمكن اعتبار هذه المقاربات أو التفاصيل (الخلفية) لحكاية الفيلم هي من أعطته التقييم النهائي الموصول إليه الآن من احتفاء وتقدير.

أداءات الفيلم التمثيلية جاءت مقبولة ومتواضعة عدا الأداء (الأكثر تميزًا بالعام بالنسبة لي) للممثلة المتواضعة ‘سالي هوكينز’، التي قامت بدور ‘إليسا’ البكماء بإتقانٍ عالي وقدرة رهيبة في استخدام لُغة الجسد والحوار الجسدي أيضًا الملامح التي ترتسم عند البهجة أو الحزن، من جهة أخرى كانت أداءات ‘مايكل شانون’ و ‘أوكتيفيا سبنسر’ و ‘ريتشارد جينكيز’ و حتى دور الحوش الذي أداه ‘دوغ جونس’ متواضعة لم ترتقي لمستوى أداء سالي.

 

أعتقد أن هذا العمل يجسّد السينما ويحييها، بصدق، فيلما يمكن لنا أن نتصوره كقصة خيالية غريبة الأطوار، أو فيلمًا عن تقبل الآخر، فيلمًا عن الماء وشكل الماء، فيلمًا عن أشياء غير واقعية بمشاعر حقيقية، وأظنه رغما من بعض التقليل الذي يتلقاه عملًا سينمائيًا أجاد في طرحه المختلف هذا التمكن من بث مشاعر حاولت نصوص المؤلف في السينما الواقعية بثها لكنها لم تستطع. قصّة بسيطة يمكن الوقوف على الكثير من تفاصيلها نعم، لكنه عمل متكامل يشرّف هذا النوع من الحكايا القصصية عرف صديق الوحوش ‘ديل تورو’ من خلالها أن يُتقن إدارتها. هذه ليست إلا مراجعة بسيطة كونه فيلما يمتاز بتفاصيله العديدة، كلها يمكن الوقوف عليها والنقد، لكنّ خلاصتي كانت تجربة سينمائية مختلفة، ليست الأفضل بالموسم الماضي، لكنها حتمًا من بين الأفضل.

8.5/10

لمتابعتي أكثر، يرجى مراجعة صفحة ‘مُذكرات سينمائية’ على الفيسبوك.

4 thoughts on “The Shape of Water – حكاية حب خيالية تشكلت تحت الماء!

Add yours

  1. يسرنا ان نقدم لكم الأخ العزيز / محمد بن عمر، دعوة شخصية لكم للإنضمام الى عالم سينسينما، اول منصة عربية خاصة بالسينما والتلفزيون (مراجعات، مقالات، ترجمات، اراء، والكثير) مع دعم كامل للغة العربية، نرجوا ان نراكم قريبا على seencinema.com

    Like

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

Website Powered by WordPress.com.

Up ↑

%d bloggers like this: