باقتباسه لرواية تحمل العنوان نفسه للكاتبة “آنا سيجرز”، يُعالج المخرج الألماني ‘كريستيان بيتزولد’ حكاية اليائسين بعد الحرب العالمية الذين يحاولون الملاذ بأنفسهم بعد الإطاحة بفرنسا، حيث الفزع والصفوف الطويلة أمام السفارات للحصول على تأشيرة تضمن لهم استمرار الحياة بعيدًا عن الخطر. ‘كريستيان بيتزولد’ لم يقف على معالجة واحدة يكفيها نص الرواية، بل يأخذ الحكاية إلى أماكن تمكن من خلالها التعليق على اللاجئين العصريين، وهذه واحدة من أبرز تفاصيل هذا العمل الدرامي الذي يحبس الأنفاس حتى النهاية.
التعليق الذي يأخذه بيتزولد معاصر، الفيلم هنا يحافظ على زمن حدوث الحكاية لكن العالم المحيط بها هو عالمنا الحالي، هذه المخاطرة لا يهابها المخرج الألماني، بل تمكن من خلالها من ضبط مستوى الفيلم وجعله محل نقاش مفتوح ومحتمل. بيتزولد ماهر، وما سيحبس أنفاسك هو أن الحكاية مكثفة ومثيرة للحد الذي لا يسمح لك بملاحظة محيط الشخصيات، ضاربًا كل المخاطر المحتملة عرض الحائط صائغًا بذلك فيلمًا آسر ومؤثر.
قصة حب كازابلانكية، حيث اليهودي الباحث عن ممر آمن للعبور خارج فرنسا، فجأة ومن غير علمه يجد نفسه قد انتحل شخصية كاتب شيوعي له أهمية بالغة كان قد قام بالانتحار وهذا سبب حصول اليهودي على الأوراق. هذا الكاتب لديه زوجة تحبه أكثر من أيّ شيء آخر، تبحث عنه باستمرار، داخل السفارات وعلى أبواب الخروج. يواجه جورج -شخصية الفيلم المحورية- قرارًا معقدًا مصيره مجهول، فهل يقرر الاستمرار في انتحال شخصية هذا الكاتب ويفر بسهولة؟ هل هناك عقبات ستواجه؟ لكن، ما يضرب عواطفنا ويجعل الأمور معقدة حتى على المشاهد -المحظوظ بالمناسبة- هو وقوع جورج في حبها.
ما يجعله واحدًا من أعمالي المفضلة للعام الماضي هو حرفية المخرج البالغة على المستويات جميعها، هذه القصة الدرامية التي نتوقعها ستأتينا بطبق يصعب هضمه، أو أننا لم نعد نشتهيه من الأساس، أتت بقصة ناضجة وعصرية تلامس مواضيع عامة، حيث الحرب واللاجئين، اليأس والقرارات المصيرية، الحبّ وغرابيته. بيتزولد في فيلمٍ ذو عدسة رائعة، وتعليقات أتت أرضية لم تطغَ على أسلوب العمل ككل. هذا الفيلم عن الاضطرابات التي نصاب بها، عن جذور تاريخية. أداء تمثيلي عالي للطاقم جميعه، فيلمًا للمشاهدة.
يمكنكم متابعة كافة مراجعاتي السينمائية على صفحة ‘مذكرات سينمائية’ بالفيسبوك.
ذكرني هذا الفيلم برواية جحيم الراهب لشاكر نوري أعتقد أَنِّي سأشاهده الليلة♥️
LikeLike