أفلام هذا العام ليست عديدة، ولن تكون، وهذه المرّة الأولى التي أكتب فيها 2020 نهاية عنوان فيلم قررت أن أكتب عنه مراجعة تحليلية، هذا العام الذي جفّت فيه الساحة الفنية، تأجلت فيه أفلام وأُلغيت أفلام وضاعت أفلام كان رهانها على هذا العام منحوسًا. ولكن، من بين بضعة أفلامٍ ظهرت بأساليب ترويجية عصرية تمكنت Hulu من عرض فيلم أثار اهتمامي بسرعة رهيبة من خلال العنوان والبوستر والممثلين، فيلم Palm Springs للمخرج الواعد والحديث في عالم الأفلام Max Barbakow.
المخرج Max Barbakow تدرب على يدين الرائع Werner Herzog، وفي فيلمه الأول حقق إقبال جيد جدًا في مهرجان Sundance Film 2020. ماكس لديه فيلم وثائقي عن حياته الشخصية من كتابته وإخراجه بعنوان I’m a Bastard!
في Palm Springs تبدو القصة متكررة، وهي كذلك، لكن المعالجة هنا جاءت بوصفها مجنونة ومثيرة ورومانسية أيضًا، عن “حلقة زمنية” ليومٍ واحد يتكرر، لا نعلم هذه التفصيلة والمحرك الأساسي للحبكة إلى أن ينتهي اليوم الأول الذي نتعرف بواسطته على الشخصية الرئيسية Nyles (الذي يلعب دوره الممثل الكوميدي Andy Samberg) من خلال حفل زفاف لا يركز على الزوجين، انما الضيوف Nyles، الذي يسرق انتباه الجميع بملابسه غير المتناسقة مع المناسبة، وخطابه الذي يعترف فيه فور تعرفه على المحبطة Sarah (تؤدي دورها Cristin Milioti) شقيقة العروس والتي كانت على وشك إلقاء الخطبة وهي تحت تأثير الكحول. هكذا على أي حال وبالفكاهة يُفتتح الفيلم، ومن هنا يتعرف البطلين على بعضهما البعض.
حكايات الـ time-loop تكررت في أفلام كثيرة، أكثرها نجاحًا فيلم Groundhog Day، كذلك أذكر فيلم Edge of Tommorow الذي كان ممتعا هو الآخر ويحمل في حكايته ذات الحلقة الزمنية، لكن من خلال Palm Springs والذي تبدو أجواءه في البداية ساحرة وملوّنة ومليئة بالرقص، هناك معالجة ثانية “درامية” حول الذكريات، التكرارية، المضي قدمًا، والرومانسية في هكذا موقف حاسم.
تبدأ الأحداث فورًا عندما يقترب الاثنان “نايلز وسارة” من انهاء يومهما الأول بممارسة جنسية عابرة، لكن يحدث أن يتدخل أحدهم ليهرب نايلز متجهًا لضوء لا نعلم ماهيته في كوخ ما، لكن سارة تلاحقه، وبينما يرفض نايلز أي تدخل منها، سارة تقرر اللحاق به، ليعلق الاثنان داخل هذه الحلقة الزمنية، سيتكرر حال نايلز مع سارة الآن.
فلسفة الفيلم المثيرة تطغى على طريقته المسلية في الحكي، الفيلم Super Hot، موضوعه وصورته وأجواءه جذابة حتى النهاية، ولا أعرف تحديدًا ما إذا كنت فقط مشتاقا لهذا النوع من الأعمال، أو أن للفيلم طابعه المستقل بالفعل. نحن بالأحرى عالقون أيضًا في هذه الحلقة الزمنية، أيامنا تبدو متكررة حتى لو أضفنا بها بعض التغييرات، نقف كل يوم في الصباح مكررين، البداية اليوم هي ذاتها البداية في الغد. نايلز عالق في هذه التكرارية، لكنه يتخذ موقفا ساخرًا مما يحدث معه، إلى أن نكتشف شخصية أخرى تمثل له تهديدًا بالموت (لكونه تسبب في وقوعه معه داخل هذه الحلقة الزمنية)، لكن مع نايلز نلحظ عبر حواراته وشخصيته شيئا ما محبطا، لا نعرف إذا كان صادقًا في قوله: “لا أذكر شيئاً.” أو أن هذه التكرارية تعجبه لكونها ملهى يستمتع به.
بينما لسارة ملامح وتعبيرات أخرى، تبدو في البداية على اعتراض لما يحدث، لا نفهم أسبابه، لكن مع شرارة الانجذاب بينها وبين نايلز، يتخذ المرح واللهو مكانا في عالمهما المتكرر، لكن ومع معرفتها لهذه الحقيقة، حقيقة أن لا شيء يضر الغد، يهتم نايلز على وجه الخصوص بألم الآخر، ويتخذان مواقف أخلاقية (غير مباشرة) حيث نشاهدهما يهتمان بالآخر وكأن للمخرج ماكس رؤية تقول: “الأخلاق لا تموت بموت الزَمن.”هذه واحدة من خطابات الفيلم الذكية والتي تحمل وجهة نظر مستقلة.
ما راقني بالفيلم هو الثنائية التي صنعها ماكس في شخصياته، واحدة تتوق إلى الهرب من هذه التكرارية، وأخرى تود البقاء في هذا العالم. كذلك رسم الشخصيات بإضافة بائسة على وضعهما الذي لا نعلمه إلا في النهاية، يضيف للكوميديا جوّا خاصا وتوازنا في أسلوب الفيلم الذي يترنح بين المرح والدراما دون أن يضيع فلسفته المقصودة.
تساؤل الفيلم يُطرح في وجهات مختلفة، فشخصية “روي” التي يكون في معظم مشاهد الفيلم معارضًا لتواجده في هذا المكان المتكرر، نلحظه متأقلمًا مع الفكرة، زوجته نشطة، أطفاله يمارسان ذات النشاطات المرحة، يقول لنايلز بأن هذا جيّد. بينما لسارة وضعية أخرى، تساؤلها الذي يُطرح هنا يكون حول جدوى الحياة عندما تمضي، فالمضي يساعدنا على التأقلم، وفي موضعها على النسيان، فهي لا تطيق نفسها عندما تنهض على نفس الخطأ الذي علقت فيه مع هذه الحلقة المتكررة. بينما نايلز وتأقلمه، وهو الذي لم يقبل الخروج إلا عندما أحبّ، وقرر أن يخوض الحياة المملة، المهم أن تكون مع سارة.
في Palm Springs أجواء خاصّة، حكايته ليست معقدة لكنها ذكية وأحببت التفكير فيها من أكثر من زاوية، وبالرغم من كونها حكاية تكررت في كثير من الأعمال السينمائية الشهيرة، لكن في هذا العمل أسلوبًا خاصًا وتسلية أنصحكم بمتابعتها فورًا.
الحياة متكررة، كل يوم هو نفسه، لكن من الجيّد أن نعثر ونحظى بشخص يكمل معنا هذه الحلقة الزمنية والتي ستكون من خلال أقل مللا وأكثر قدرة على التحمّل. سيكون من الجيد أن نعلق في حلقة زمنية مع من يجيب على سؤالنا: What if we get sick of each other؟ بجواب: We’re already.
مُذكّرات بن عمران 
Leave a Reply