Dunkirk – “نولان” يلقي بنا في تجربة حربية جديدة!

في الواقع، الموت ليس الحدث الأسوء الذي قد يصيب الجندي في الحرب، بل أنه قد يكون الحلّ الأمثل مقارنة بالمعاناة التي يتكبدها أثناء محاولته البقاء على قيد الحياة. هذا الفعل وإن كان منافيًا لمبدأ التضحية لدى جندي الحرب، فإنه أيضًا بالامكان له أن يكون الخيار الأنبل والأشجع خاصةً في حالة حصار خانق كواقعة شاطئ “دنكيرك”، وهي واقعة لم تعطها السينما حقّها بالشكل غير التقليدي المصنوع بمخاطرة كبيرة كانت قد وضعته بالفعل في مقارنة مع أفلام الحرب المعروفة والشهيرة الأخرى، في حين أن ناتج المخاطرة جعله متساويا بين من أحب الفيلم كونه مختلفا عن سلوك “نولان” المعتاد وابتعاده عن السرد الميلودرامي، وبين من لم يعجبه الفيلم بسبب افتقاده لنكهة أفلام الحرب ومظاهر الدماء والأشلاء وخلفيات الشخصيات من ماضي تسترجعه الأحداث بدراما واضحة.
حادثة “دنكيرك” كانت حول النجاة، هذه الحقيقة قد تبرر فِعل “نولان” عندما قرر إخراج الفيلم بهذه الكيفية، والتي قد عمل عليها بجُهد وووضوح من خلال مشاهدتي للفيلم تكثيف هذه الغاية، التي أجدها قد وقعت في فخ الوضوح في حين الرغبة بالعكس، لكن هذا لم يسيء للنتيجة التي غابت عنها ذروة التأثير السينمائي، وجاءت بمناصفة أربكتني شخصيا في اتخاذ القرار المناسب حول ما إذا كان العمل قد حققّ المستوى المطلوب، أو أنه عانى من بعض الخلل في افتقاده غير العفوي للأسلوب المعتاد؛ في الحين ذاته، جاء السرد غير المتسلسل المتقاطع في نهايته على ثلاث رؤى مختلفة: (الجوّ، البحر، البر) مربكًا في البداية ومفهومًا في النهاية رغم اكتشافي لها مبكرًا (من خلال اختلاف الوقت).
أحداث “دنكيرك” ببساطة كانت حول الواقعة التاريخية خلال الحرب العالمية الثانية عندما أحاط الجيش الألماني بالجنود البريطانيين والفرنسيين البالغ عددهم 400 ألف جندي، الذين تقطعت به السبل وصاروا ضعفاء على المواجهة منتظرين إجلاءهم بالعودة سالمين إلى الوطن، إذ أن الفيلم لا يروي قصة الحرب (بمفهومها المعتاد).. بل يروي قصة حرب تسلط بضوءها على الحدث الأكثر مأساويةً وهو (محاولة البقاء على قيد الحياة)، هذا الحدث الذي قام بذكاء المخرج “نولان” معالجته بتسليطه الضوء على جنود عاديين يؤدي أدوارهم ممثلين أيضًا عاديين لم يمارسوا التمثيل من قبل قط، هذا الفعل مؤثر دون الحاجة لمعرفة ماضي الشخصيات أو معلومات دقيقة وهائلة حول الحدث، كونه ليس من المنطقي أن نتبادل الحوار ونحن في حالة ذعر وخوفٍ ومفرٍ من هنا وهناك للبحث عن الملجأ المناسب، الشجاعة في أن تبقى على قيد الحياة لا شجاعة الحرب في المواجهة، هذا هو حدث “دنكريك” واقعيًا، نولان لا يجمّل ولا يبالغ، هو فقط ينقل الحدث كيفما حدث وبإتقان تشهده كافة أعماله السينمائية.
هناك حرفية عالية وإتقان مُذهل على كافة المستويات؛ مشاهد القنابل وأصوات تبادل الرصاص بين الطائرات الحربية مع الخلطة المعتادة بموسيقى الفنان الساحر “هانز زيمر”، شيء بديع بالفعل هذا كله ولم أشاهده بتقنية IMAX التي قيل أن الفيلم من خلالها يُصبح أفضل على مستوى التجربة التقنية. صورة سينماتوغرافية ملفتة، وتصاعد مُلفت في الأحداث يضعنا في مواجهة (البقاء) رفقة شخصيات الفيلم التي كانت جزء من الحدث الواقعي (المواطن العادي المُنقذ/الطيار المضحّي/الجنود).. فيلما وإن غابت عنه معالم التميز الكاملة في السلوك غير التقليدي الذي أتخذه، إلا أنه جاء مرضيًا في نقله حدثًا تاريخيًا حربيًا بأسلوبٍ غاب عنه الاستجداء العاطفي ملقيًا بنا وسط التجربة القاسية، حيث ظهر فيها معنى آخر للنجاة، معنى يضاهي معاني أن تكون منتصرًا.
(الفيلم يمكن الحديث عن الكثير من تفاصيله، لكنني فضّلت الاختصار).

تقييمي: 7.5/10

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

Website Powered by WordPress.com.

Up ↑

%d bloggers like this: